سقطة لا تغتفر على قناة الرياضية: "الخريطة المبتورة" هل تكون نهاية عهد الفوضى في الإعلام العمومي؟

أثارت قناة “الرياضية” المغربية جدلاً واسعًا ببثها وصلة إشهارية تتضمن خريطة المغرب مبتورة من أقاليمه الجنوبية مما أثار موجة غضب عارمة على منصات التواصل الاجتماعي، القناة سارعت لإصدار توضيح أكدت فيه أن الوصلة جزء من “الإشارة الدولية الرسمية” التي تبثها الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم (الكاف) وأن دورها يقتصر على النقل التقني دون تدخل في المحتوى، هذا التبرير لم يلق قبولًا واسعًا ففي سياق إعلام عمومي يُفترض أن يكون صوت الدولة ومرآة لاختياراتها الوطنية خرج الخطأ هذه المرة من صميم قناة يفترض أن تكون حصنًا منيعًا للدفاع عن الوحدة الترابية لتفتح الباب أمام تسويق خريطة منقوصة للمملكة تسللت عبر إشهار مدفوع لشركة مراهنات “1XBet” في مشهد صادم بُث على القناة الرياضية التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وأمام أنظار جمهور أفريقي وعالمي.

ما حدث لا يمكن اعتباره مجرد “خطأ غير مقصود” بل هو فضيحة كاملة الأركان تمس رمز السيادة وعمق الإجماع الوطني الذي أكده الملك محمد السادس أمير المؤمنين نصره الله في أكثر من مناسبة بقوله إن “الصحراء هي النظارة التي يرى بها المغرب العالم” فكيف لقناة عمومية أن تنقل للعالم صورة مغلوطة عن الوطن وكيف يمكن أن تستمر في البث تحت إدارة من يقصر في أبسط واجباته الوطنية إنها سقطة لا تغتفر ولا تداويها بلاغات التوضيح، هذا العبث الإعلامي جاء ليقوض مجهودات دبلوماسية دؤوبة بذلت طيلة السنوات الماضية بقيادة وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة الذي خاض معارك شرسة في العواصم الدولية دفاعًا عن مغربية الصحراء وبنى تحالفات إقليمية وأعاد تشكيل خطاب الدولة في المنتديات الأممية حتى باتت المملكة تعد نموذجًا في الدفاع السيادي عن قضاياها الذاخلية للمملكة المغربية الشريفة، هذه المكتسبات تلقت طعنة غادرة من مؤسسة عمومية يفترض أن تكون في طليعة المدافعين عن هذه التوجهات فإذا بها تقدم هدية مجانية لأعداء الوحدة الترابية الذين سارعوا إلى التقاط الصورة والبناء عليها كأنها دليل رسمي على تراجع المغرب عن وحدته.

ما جرى يمثل ضربًا مباشرًا للمصداقية والاتساق بين خطاب الدولة وأدواتها فبينما تبني وزارة الخارجية صرحًا دبلوماسيًا للدفاع عن الصحراء ينسف الإعلام العمومي ما بُني بإشهار مدفوع لا يمر حتى من أبسط شروط المراجعة البصرية والتدقيق التحريري لتظهر خريطة غير مكتملة للمملكة متعمدًا أو جاهلًا وفي الحالتين الجرم قائم والمسؤولية ثابتة، المسؤولية هنا لا تقع على عاتق الفنيين بل على رأس الهرم: حسن بوطبسيل المدير المركزي لقناة الرياضية المغربية الذي يشرف منذ سنوات على منظومة استهلكت ميزانيات ضخمة من المال العام فهل يعقل أن تكون مؤسسة إعلامية رسمية بهذه الهشاشة في التعامل مع رمز سيادي وهل يمر إعلان كهذا دون مراجعة أو حتى حس وطني ينذر بالخطر.

هذه الواقعة ليست حادثًا معزولًا بل هي نتيجة طبيعية لتراكمات من التسيير الضعيف والتهاون في الملفات الحساسة، المطلوب الآن ليس إصلاحات شكلية أو تغييرات ثانوية بل مساءلة صريحة وقرار سياسي واضح يعيد ترتيب المشهد من جديد فالإعلام العمومي لا يمكن أن يستمر في يد من لا يقدر رمزية الأمانة ولا يحسن صيانة الثوابت الوطنية وقد أصدر فيصل العرايشي الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تعليماته بفتح تحقيق داخلي رغم تأخر القرار مما يفتح باب التساؤلات مجددًا حول التسيير العشوائي وغياب الرقابة التحريرية والمهنية داخل الإعلام العمومي فهل يكون هذا التحقيق مجرد إجراء شكلي لامتصاص الغضب أم بداية فعلية لنهاية مرحلة الفوضى واللامحاسبة داخل دار البريهي.

وكان غضب بعض المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي واضحًا، حيث عبروا عن استيائهم ومطالبتهم بإجراءات حاسمة، فقد طالب سعيد بطرد كل من يقصر في مهامه، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالوحدة الترابية، مستشهدًا بالمثل الشعبي “موت على ولادك وعلى بلادك”، ومؤكدًا أن المغاربة لا يريدون مجرد بلاغ توضيحي بل طرد المسؤول عن القسم ليكون عبرة وأكد عبد الهادي أن الاعتذار وحده غير كافٍ، بل يجب أن يرفق بمحاسبة كل مسؤول عن هذا “العمل الخالي من المسؤولية”، فيما شدد حسن على أن “الأمر يتطلب الاستقالة أو الإقالة العاجلة”، مشيرًا إلى ضرورة اطلاع إدارة القناة على المحتوى مسبقًا في حال البث المباشر ومضيفًا أن بلاغ القناة يؤكد عدم مسؤولية مديرها، أما ملاك فقد رأت أن المبرر “غير مقنع فالوحدة الوطنية فوق الكاف والأمم المتحدة ومجلس الأمن ولا الفيفا” ولخصت سارة الموقف بمرارة قائلة “هم ما عندهمش الإخراج أو المراقبة أو دفتر التحملات فضلوا الفلوس على قضية وطنية”، تعكس هذه التعليقات إجماعًا على ضرورة المحاسبة وعدم التساهل  وطرد ليكون عبر مع ما يمس بسيادة الوطن.