مجزرة "بن احمد".. من يتحمل المسؤولية؟!

منذ 6 ايام

مجزرة "بن احمد".. من يتحمل المسؤولية؟!
مجزرة “بن احمد”.. من يتحمل المسؤولية؟!

هوية بريس – نور الدين درواش

اهتز الرأي العام المغربي في الأيام السابقة على وقع حادثة بشعة تتمثل في قتل رجل يقال إنه مختل عقلي لشخصين على الأقل، ثم التمثيل بجثتهما أبشع تمثيل داخل مرحاض عمومي مجاور للمسجد الأعظم بوسط مدينة بن احمد.

وحين يناقش بعض المتحجرين هذه الجريمة البشعة من منطلق إيديولوجي موغل في الحقد والكراهية، فإنك تجدهم عالقين بلحية المختل العقلي، لا يكادون يفارقونها، جاعلين منها شماعة تُعَلق عليها الحادثة وتُناط بها بَشاعتها، متناسين كُليًّا الوضع الاجتماعي والسياسي والقيمي البئيس الذي تعيشه هذه المدينة -وغيرها- على مدار سنوات.

واقعة ابن احمد لا ينبغي أن تمرّ على المغرب مرورا عاديا كسائر الجرائم والحوادث، بل لا بد أن يكون لها ما بعدها.

والمغرب الرسمي تحرك في مناسبات عديدة كرد فعل على اختلالات كشفت عنها حوادث مختلفة في مجالات متفرقة.

فقد تحرك بقوة عقب حادثة سقوط ريان في البئر ليشن حملة كبيرة على الآبار المهجور والمنسية حتى لا تتكرر “حادثة ريان”.

وشن حملة كبيرة على مدارس التعليم العتيق ودور القرآن والكتاتيب وسائر الداخليات لتتبع معايير السلامة عقب اندلاع حرق مميت بمدرسة قرآنية بإقليم الزمامرة.

وقام بحملات متكررة ومتجددة لتتبع معايير السلامة في حافلات النقل العمومي عقب كل حادثة سير لحافلة.

وهي حملات طبيعية تمليها التجارب السيئة والحرص المجتمعي على السلامة العامة.

لكن الذي يلاحظ هو ضعف التعاطي مع وقائع متعددة وفي أزمنة مختلفة لحوادث خطيرة يقوم بها أناس مختلون عقليا ويذهب ضحيتها العديد في الأبرياء إما موتا ومفارقة للحياة، أو إصابة بعاهات دائمة، أو انتهاكا لأعراض أطفال، أو إتلافا لأموال وممتلكات عامة أو خاصة…

والشريعة الإسلامية جاءت بحفظ أنفس الناس وأموالهم وأعراضهم وهذا مما يتسلط عليه المختلون عقليا.

وقد كانت مسؤولية رعاية المختل وضمان جنايته تقع على العاقلة وهم آل المختل، أما في الدولة الحديثة فلا بد أن تتحمل مؤسسات الدولة مسؤوليتها، رعاية ووقاية منعا لحدوث أي مكروه، وتعويضا وجبرا للضرر في حال الجناية.

وهذا الأمر ليس غريبا عن ثقافتنا وحضارتنا العربيتين الإسلاميتين، فقد كان للمسلمين السبق في العناية بهذه الفئة المظلومة.

وقد خصص المسلمون عبر التاريخ مأوى للمجانين يُعرف بـ (البيمارستان)، وهي لفظة فارسية الأصل مُرَكَّبةٌ من “بيمار” أي مريض، و”ستان” موضع، معناها: مستشفى أو دار المرضى والمجانين، وتطلق كثيرا على مستشفى ‌المجانين فقط، وقد عرفت ‌بهذا الاسم عبر تاريخ الحضارة الإسلامية في كل بلد من البدان، ووقفت عليها الأوقاف. [أنظر مدونة أحكام الوقف الفقهية 3/338].

وهذا ابن جبير الكناني المتوفى سنة هـ (أي قبل ثمانية قرون) يحكي في رحلته تحت عنوان:‌‌ مارستان ‌المجانين فيقول: “ومما شاهدناه أيضا من مفاخر هذا السلطان المارستان الذي بمدينة القاهرة. وهو قصر من القصور الرائقة حسنا واتساعا أبرزه لهذه الفضيلة تأجرا واحتسابا وعيّن قيّما من أهل المعرفة وضع لديه خزائن العقاقير ومكنه من استعمال الأشربة وإقامتها على اختلاف أنواعها. ووضعت في مقاصير ذلك القصر أسرة يتخذها المرضى مضاجع كاملة الكسى. وبين يدي ذلك القيم خدمة يتكفلون بتفقد أحوال المرضى بكرة وعشية، فيقابلون من الأغذية والأشربة بما يليق بهم. وبإزاء هذا الموضع موضع مقتطع للنساء المرضى. ولهن أيضا من يكفلهن…” [رحلة ابن جبير ص:24].

وهذا نموذج فقط وإلا فهذه العناية كانت سنة متبعة في حواضر العالم الإسلامي كلها في المغرب إفريقية ومصر والشام والعراق وتركيا… [أنظر تاريخ البيمارستانات للدكتور أحمد عيسى المتوفى سنة َ365هـ].

إن مقارنة مختصرة بين العرب والغرب في أسبقية العناية بذوي الخلل العقلي أو المجانين تبين المكانة التي كنا فيها والحال التي آل إليه أمر الصحة عامة والنفسية منها خاصة في بلادنا.

تقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة بعد ذكر سوء المعاملة التي يتلقاها المجانين في الغرب: “كان الإغريق يسلمون الرجل الذي يشكو ضعفا في قواه العقلية إلى أهله ليحبسوه عن العالم ويمنعوا ضرره عن المجتمع، وكان العرب يخصصون البيمارستانات الخاصة والعيادات المنظمة لاستقبال أمثاله، وذلك لمراقبته والإشراف على علاجه. وأما في أوربا، وحتى القرن التاسع عشر فقد ظل هذا المريض نفسه يعامل كمجرم فيسجن ويعذب ويهان.

وفي إسبانية وحدها كان هناك في عهد العرب أكثر من مستشفى للأبرياء Innocentes) ( كما كانوا يسمونهم. وفي عام 1751 تجرأت إنكلترا وقامت بالخطوة الأولى في هذا السبيل في بلاد  الغرب…” [شمس العرب تسطع على الغرب، ص:255].

فنأمل أن تحرك حادثة بن احمد المسؤولين للعناية بهذا الموضوع بما يتوافق والشريعة الإسلامية وحضارتها وتكريمها للإنسان بعامة انطلاقا من قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمنَا بَنِيٓ ءَادَمَ) وقوله سبحانه: (لَقَد خَلَقنَا ٱلإِنسَٰنَ فِيٓ أَحسَنِ تَقوِيمٖ).

وإلا فاللوم كل اللوم يقع على المؤسسات لا على من رفع الله عنه القلم من المختلين العقليين.

والله ولي التوفيق..

...

الخبر كامل

اكتشف كل المزايا على التطبيق

✅ سريع

✅ سهل الاستخدام

✅ مجاني

إبدا الان
اقتراحات قد تعجبك من هوية بريس ⬇️
news-stack-on-news-image

لماذا التصفح على التطبيق احسن

أخبار المغرب من أهم المواقع الالكترونية والجرائد الالكترونية المغربية ذات مصداقية وبكل حياد. جولة في الصحافة ومقالات وتحليلات أخبار سياسية واقتصادية ورياضية وثقافية وحقوقية، تغطيات خاصة، و آخر أحداث عالم الطب والتكنولوجيا. أخبار المغرب العاجلة نظام ذكي يختار لك أفضل الأخبار من أفضل المواقع والجرائد الالكترونية ويرسل تنبيهات فورية للأخبار العاجلة