المرابط: مقاربتي النسوية “روحانية” “ديكولونيالية”.. والتأويلات الذكورية هيمنت على الديانات التوحيدية
منذ 23 ساعة
أكدت الباحثة المغربية في الفكر الإسلامي أسماء المرابط خلال مشاركتها في الندوة الإقليمية حول “الإسلام من منظور الحركات النسوية في إفريقيا”، أن مقاربتها النسوية تقوم على ثلاث ركائز أساسية: الروحانية، والإصلاح، والرؤية “الديكولونيالية”. واعتبرت أنه “لا مجال للحديث باسم جميع النساء”، مشيرة إلى أن التجارب النسوية متعددة ومتجذرة في سياقاتها الخاصة، خصوصًا في إفريقيا والعالم الإسلامي حيث ترتبط النساء بشكل وثيق بالتقاليد والدين.
في ندوة فكرية إقليمية نظمها المعهد الفرنسي بشراكة مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق، مساء يوم الخميس 8 ماي الحالي بالدار البيضاء، انطلقت أسماء المرابط من مساءلة جوهرية: “من أين نتحدث؟” وهو تساؤل تأسيسي ترى أنه لا بد من طرحه قبل أي تأمل أو حوار، لما يحمله من ضرورة لفهم السياق والموقع الذي تنطلقن منه كنساء مفكرات، كأفارقة، كمسلمين، وكفاعلين في فضاءات اجتماعية وثقافية مختلفة.
أعربت المرابط عن ارتياحها لما سمته “التحول المفاهيمي” الذي شهده النقاش النسوي خلال العقود الأخيرة، حيث لم يعد الحديث يدور حول “المرأة” بصيغة المجموع المجرد، بل أصبح يلامس تعددية التجارب والمقاربات، مما أفضى إلى الاعتراف بوجود “نسويات” متعددة بدل “نسوية” واحدة تدعي الشمولية. وقالت بالحرف: “لا يمكن أن نتحدث باسم جميع النساء، من المستحيل”. وهذا الاعتراف بالتعدد، حسب رأيها، هو انتصار مهم في مسار طويل من النضال الفكري والنقدي الذي خاضته النساء في مختلف السياقات.
وسط هذا الطيف النسوي، قدمت أسماء المرابط نفسها بوصفها “نسوية روحية، إصلاحية وديكولونيالية”. وشددت على أن الجانب الروحي ليس تفصيلا ثانويا أو هامشيا في هويتها الفكرية، بل هو عنصر جوهري ومؤسس: “أنا امرأة مسلمة، مؤمنة، روحية، ومقتنعة بتقليدي بكل ما فيه من عيوب وجوانب إيجابية”. وأوضحت أن هذا الإيمان لا يتناقض مع القراءة النقدية للنصوص، بل على العكس، يدفع إلى مساءلتها وتحريرها من تراكمات التأويلات الذكورية التي سادت عبر التاريخ. وأكدت أن الفجوة بين النص الأصلي والتأويلات الفقهية هي مجال يجب تفكيكه ومراجعته، خصوصا حين يتعلق الأمر بقضايا النساء، التي عانت من سيادة تأويلات أيديولوجية “أغلبها، لا أقول كلها، ولكن معظمها، كانت تأويلات أبوية”.
أعادت المرابط التأكيد على أن جميع الديانات السماوية، خصوصا التوحيدية منها، قد خضعت لتأويلات ذكورية على مر العصور، وأن هذا التوجه لم يتغير كثيرا حتى اليوم. ودعت إلى قراءة إصلاحية أخلاقية للنصوص، تنطلق من جوهر الرسالة الدينية لا من تراكمات الفقه والمؤسسة الدينية التقليدية، واعتبرت أن هذه القراءة الأخلاقية ضرورية لإبراز الأبعاد التحررية في الإسلام، خصوصا حين يتم استحضارها ضمن ما أسمته “لاهوت التحرير”.
وتوقفت المرابط مطولا عند تجربتها في أمريكا اللاتينية، التي أقامت فيها إحدى عشر سنة، حيث تعرفت على “لاهوت التحرير” المسيحي، وهو تيار نقدي داخل الكنيسة الكاثوليكية يركز على أن يسوع جاء لتحرير المظلومين. وأشارت إلى أن هذا التيار استلهم كثيرا من الماركسية، رغم أن رواده كانوا رجال دين ملتزمين روحيا، وأنها وجدت فيه ما يشبه المقاربة التي تنشدها في فهمها الإسلامي، خصوصا من خلال مفهوم قرآني اعتبرته محوريا، وهو “المستضعفون في الأرض”، واصفة إياه بأنه تجسيد لاهوتي للتحرير الإنساني يشمل الرجال والنساء معا، وإن كانت النساء، حسب تعبيرها “تعرضن للقمع أكثر من الرجال”، فإن النضال ضد الظلم لا يمكن أن يُجزأ.
ومن هنا انتقلت إلى الشق الديكولونيالي في خطابها، لتُبرز كيف شكل لها هذا الوعي مفترق طريق في مسيرتها الفكرية. أشارت إلى أن المفكرين الديكولونياليين في أمريكا اللاتينية، أمثال إنريكي دوسيل، كانوا أول من فضح ما وصفته بـ”الإبادة المعرفية” التي مارستها المنظومة الغربية الاستعمارية، والتي قضت على المعارف “المحيطية” لصالح مركزية أوروبية فرضت نفسها بوصفها معيارا كونيا. وأضافت: “هذا الأمر هزني داخليا”، لأن من نتائجه أن النسوية الغربية، وبحسن أو سوء نية، فرضت أجندتها على نساء العالم، متجاهلة التواريخ الخاصة للنساء في الجنوب، بما فيها من استعمار وعبودية وعلاقة معقدة مع الدين والتقاليد.
ووجهت نقدا واضحا لما سمته “النسوية البيضاء”، التي وإن كانت ضحية للبطرياركية الغربية، فقد مارست في المقابل تهميشا لنساء الجنوب من خلال افتراض أن تجربتها قابلة للتعميم. وأكدت أن النساء المسلمات والإفريقيات والعربيات “مرتبطات بقوة بالتقاليد وبالدين”، وأن هذا الارتباط يجب أن يُحترم ويُفهم لا أن يُقابَل بالازدراء أو السخرية أو النفي. وبررت القطيعة التي أحدثتها النسويات الغربيات مع الدين في سياقهن التاريخي الخاص (الكنيسة، التنوير…) لكنها شددت على أن هذا التاريخ ليس بالضرورة مشتركا مع باقي نساء العالم، وبالتالي فإن محاولة إسقاط النموذج الغربي التحرري على الجميع لا يمكن أن تكون عادلة أو ناجحة.
وختمت المرابط مداخلتها بالتأكيد على مفهوم “الفكر الحدودي”، الذي تمثل به نهجا نقديا مزدوجا يسعى إلى التحرر من سطوة الهيمنة الغربية، دون السقوط في خطاب الضحية الذي يرفض كل ما هو غربي، كما يسعى إلى نقد الذات والتقاليد من داخلها، دون السقوط في اجترار الماضي أو التبرير العقائدي للقمع. وقالت: “نحتاج إلى فكر يجمع بين الذاكرة والتقاليد من جهة، وبين التحرر والحداثة من جهة أخرى، من خلال قراءة إنسانية وأخلاقية”.
...لماذا التصفح على التطبيق احسن
أخبار المغرب من أهم المواقع الالكترونية والجرائد الالكترونية المغربية ذات مصداقية وبكل حياد. جولة في الصحافة ومقالات وتحليلات أخبار سياسية واقتصادية ورياضية وثقافية وحقوقية، تغطيات خاصة، و آخر أحداث عالم الطب والتكنولوجيا. أخبار المغرب العاجلة نظام ذكي يختار لك أفضل الأخبار من أفضل المواقع والجرائد الالكترونية ويرسل تنبيهات فورية للأخبار العاجلة