الوحدة السياسية طريق المستقبل للصحراء المغربية
منذ 6 ساعات
agadir24 – أكادير24/الدكتور يوسف أكجبوط
في عالمٍ تتزايد فيه الدعوات إلى الانفصال، وتتسابق فيه القوى الدولية لإعادة رسم الخرائط الجيوسياسية، يظل المغرب وفيًا لخياره الاستراتيجي المتمثل في ترسيخ وحدته الترابية كمدخل رئيسي للتنمية والاستقرار. فليست قضية الصحراء المغربية اليوم مجرد مسألة ترابية أو نزاع حدودي كما تروّج له بعض الأطراف، بل هي قضية تتقاطع فيها اعتبارات التاريخ والعقل، والاقتصاد والسيادة، والتنمية والاستقرار.
نظرة سريعة على دروس التاريخ الحديث تكشف أن التجارب الناجحة في بناء الدولة الحديثة كانت دائمًا مشروطة بتحقيق الوحدة السياسية. وتشكل ألمانيا نموذجًا لافتًا في هذا السياق، سواء في توحيدها الأول سنة 1871 بقيادة بسمارك، أو في إعادة توحيدها بعد سقوط جدار برلين سنة 1990. ففي الحالتين، لم تكن الوحدة مجرد إنجاز سياسي، بل كانت نقطة تحوّل اقتصادية كبرى؛ إذ أدى توحيد السوق الألمانية إلى بروز قوة صناعية وتجارية تضاعف تأثيرها الإقليمي والعالمي. البنية التحتية، الصناعة، التعليم، والبحث العلمي، كلها قطاعات استفادت من وجود دولة موحدة قادرة على التخطيط والاستثمار على نطاق واسع.
وفي إيطاليا، رغم التفاوتات الجهوية بين الشمال الصناعي والجنوب الزراعي، شكّلت الوحدة السياسية عاملًا محوريًا في بناء مؤسسات الدولة الحديثة. فقد سمحت بخلق سياسة اقتصادية موحدة ومجال وطني مندمج، ما عزّز مكانة إيطاليا في الساحة الأوروبية رغم التحديات البنيوية التي واجهتها.
في المقابل، فإن التجارب الانفصالية التي شهدتها دول ما بعد الاستعمار غالبًا ما أفضت إلى مآزق سياسية واقتصادية خانقة. ويُعدّ جنوب السودان مثالًا صارخًا: فبعد الانفصال، دخلت البلاد في دوامة من الحروب والصراعات الداخلية، دون أن تحقق الحد الأدنى من مقومات الدولة المستقرة. كما تؤكد تجربة بيافرا في نيجيريا خلال ستينيات القرن الماضي، وما خلفته من مجاعة ومآسٍ إنسانية، أن الانفصال لا يعني بالضرورة التحرر أو التقدم، بل قد يكون مدخلًا لانهيار الدولة وفقدان السيادة لصالح التدخلات الأجنبية. وفي دول الساحل الإفريقي أيضًا، تؤدي النزعات الانفصالية إلى إضعاف الحكومات المركزية وخلق فراغات أمنية تستغلها الجماعات المتطرفة.
أما المغرب، فمنذ استرجاعه لأقاليمه الجنوبية، فقد تبنّى مقاربة مغايرة تقوم على الاستثمار في الوحدة بدل الاكتفاء بالدفاع الرمزي عنها. وقد أُطلِقت مشاريع تنموية كبرى في مجالات البنية التحتية، والطاقات المتجددة، والتعليم، والصحة، والتجارة. وتمثل الموانئ الجديدة، كميناء الداخلة الأطلسي، رافعة استراتيجية لربط المغرب بعمقه الإفريقي. كما أن مشاركة أبناء الأقاليم الجنوبية في المؤسسات المنتخبة وفي تدبير الشأن المحلي تعزز من الاندماج المؤسساتي وترسخ الانتماء الوطني.
وعلى المستوى الاقتصادي، تؤدي الوحدة الترابية إلى خلق سوق وطنية متكاملة، مما يقلّص من التكاليف اللوجستيكية، ويرفع من مردودية الاستثمارات العمومية والخاصة. كما يشكّل الاستقرار السياسي الذي تؤمّنه الوحدة عاملًا حاسمًا في جذب الاستثمارات وتحسين مناخ الأعمال. وعليه، فإن الوحدة ليست فقط ضرورة سياسية، بل أيضًا خيار اقتصادي ناجع.
إن قضية الصحراء المغربية، إذن، ليست فقط قضية عدالة تاريخية أو تعبيرًا عن هوية وطنية، بل هي أيضًا تجسيد لرؤية عقلانية تؤمن بأن التنمية لا تتحقق إلا في إطار الوحدة والاستقرار. والدروس المستقاة من التاريخ الحديث، سواء من التجارب الأوروبية الناجحة في التوحيد، أو من إخفاقات الانفصال في إفريقيا، تؤكد أن المغرب اختار الطريق الصحيح. فالوحدة ليست عائقًا أمام التعدد، بل هي شرط لضمان تنوع منتج ومنسجم.
لذلك، فإن الدفاع عن الصحراء المغربية لا يقتصر على استحضار الشرعية القانونية أو التاريخية، بل يتطلب أيضًا إبراز الجدوى الاقتصادية للوحدة، والبرهنة على أن المغرب الموحَّد أكثر قدرة على مواجهة التحديات، وأكثر استعدادًا لبناء مستقبل مشترك لجميع أبنائه.
من هنا، تنتصر قضية الصحراء حين تُقرأ بالعقل، وتُفهم من خلال منطق التنمية والاستقرار، وتُقارن بتجارب الشعوب التي اختارت طريق الوحدة فبنت دولًا قوية ومتزنة. من ألمانيا الموحدة إلى المغرب الموحَّد، الرسالة واضحة: الوحدة هي السبيل إلى المستقبل، والانفصال لا يؤدي إلا إلى التشرذم والجمود.
...لماذا التصفح على التطبيق احسن
أخبار المغرب من أهم المواقع الالكترونية والجرائد الالكترونية المغربية ذات مصداقية وبكل حياد. جولة في الصحافة ومقالات وتحليلات أخبار سياسية واقتصادية ورياضية وثقافية وحقوقية، تغطيات خاصة، و آخر أحداث عالم الطب والتكنولوجيا. أخبار المغرب العاجلة نظام ذكي يختار لك أفضل الأخبار من أفضل المواقع والجرائد الالكترونية ويرسل تنبيهات فورية للأخبار العاجلة