بأكثر من 152 ألف طن.. السردين المغربي يكتسح الأسواق العالمية بختم الجودة الآسفي

في تقرير دولي حديث لفتت الشركة البرازيلية للتحليل الاستراتيجي (CPG) انتباه الأسواق العالمية إلى حقيقة اقتصادية ساطعة، مؤكدة أن المملكة المغربية تواصل تربعها على عرش مصدري السردين المعلب في العالم، حيث أشارت المعطيات إلى تدفقات تجارية تتجاوز سقف الـ 15 ألف طن نحو أسواق بعينها، وهو رقم يعد مجرد قمة جبل الجليد في إمبراطوية “الذهب الفضي” التي شيدها المغرب، إذ تكشف البيانات الرسمية الشاملة عن واقع أكثر إبهاراً يتمثل في تصدير ما يفوق 152 ألف طن سنوياً، مما يجعل البلاد الرقم الصعب والمتحكم الأول في معادلة العرض والطلب لهذا المنتج الغذائي الحيوي على الصعيد الكوني.

هذه الريادة المطلقة لم تأت من فراغ، بل هي نتاج منظومة اقتصادية متكاملة حولت الثروة السمكية من مجرد مورد طبيعي إلى رافعة تنموية تضخ في شريان الاقتصاد الوطني عائدات مالية ضخمة تجاوزت حاجز 5.9 مليار درهم، لتتحول علبة السردين المغربية من منتج استهلاكي بسيط إلى سفير فوق العادة يحمل علامة “صنع في المغرب” إلى موائد المستهلكين في القارات الخمس، بدءاً من الأسواق الأوروبية الصارمة في معايير الجودة، مروراً بالأسواق الأمريكية، ووصولاً إلى العمق الإفريقي والبرازيلي، حيث نجح المغرب في كسب رهان الجودة والمنافسة بفضل بنية صناعية تحويلية متطورة تحترم أدق معايير السلامة الصحية الدولية.

وفي خضم هذا المشهد العالمي، تبرز مدينة آسفي كحجر الزاوية والقلب النابض لهذه الصناعة، فالمدينة التي لطالما لقبت بـ “عاصمة السردين” لا تلعب دوراً جغرافياً فحسب، بل تمثل الذاكرة الحية والخبرة المتراكمة لقطاع التصبير في المملكة، حيث تحتضن وحدات صناعية عريقة راكمت عقوداً من “المعرفة الحرفية” التي مكنت من تثمين المنتوج البحري، وتعتبر هذه الوحدات بمثابة رئة اقتصادية وتشغيلية للإقليم، موفرة آلاف فرص الشغل المباشرة وغير المباشرة، ومساهمة بشكل فعال في الاستقرار الاجتماعي، مما يجعل من آسفي، إلى جانب أقطاب أخرى، الحصن الذي يحمي هذه الريادة العالمية ويضمن استدامتها.

إن ما أكده التقرير البرازيلي وما تعكسه لغة الأرقام الرسمية يثبت نجاعة الاستراتيجيات الوطنية، وفي مقدمتها استراتيجية “أليوتيس”، التي لم تكتف بالتركيز على كميات الصيد، بل راهنت على التصنيع وتثمين المنتجات البحرية محلياً قبل تصديرها، وهو الرهان الذي جعل المغرب يمسك بزمام سلسلة القيمة كاملة، من أعالي البحار عبر أسطول متطور، وصولاً إلى وحدات التعليب التي تخرج منتجاً نهائياً عالي القيمة، ليؤكد المغرب بذلك أنه ليس مجرد خزان للثروة السمكية، بل هو قوة صناعية صاعدة تفرض إيقاعها في السوق الدولية، وتكتب فصلاً مشرقاً من فصول السيادة الغذائية والاقتصادية.