الشخصية المغربية تحت مجهر التاريخ: الطيب بياض يفكك "الطبقات الرسوبية" للهوية في أمسية فكرية بتاهلة - الحدث تيفي | Alhadat TV

www.alhadattv.ma

في أجواء ثقافية متميزة، احتضنت دار الشباب الجديدة بمدينة تاهلة، مساء يوم الجمعة 12 دجنبر 2025، أمسية فكرية نظمتها جمعية أدرار للتنمية والبيئة، خُصصت لمقاربة أحد أكثر المواضيع تعقيداً وجدلاً: “الشخصية المغربية”. اللقاء الذي سيرت أشغاله باقتدار الأستاذة فاطمة الزهراء حمزاوي، استضاف المؤرخ البارز الطيب بياض لمناقشة مؤلفه المرجعي “الشخصية المغربية: تأصيل وتأويل”.

شهد اللقاء حضوراً لافتاً لثلة من الفاعلين الجمعويين والمهتمين بالشأن الثقافي بالمنطقة. وقد انطلقت الأمسية بتقديم قراءتين نقديتين للمؤلف، قدمهما كل من الدكتور مصطفى الويزي والأستاذ عبد الله بولرباح. وقد نجحت هاتان القراءتان في تفكيك البنية العامة للكتاب، مما مهد الطريق لنقاش علمي رصين ومفتوح، تجاوز السطحية ليلامس جوهر الإشكالات التي يطرحها سؤال الهوية في المغرب.

في تفاعل مع الحضور، اختار المؤرخ الطيب بياض الابتعاد عن النزعات العاطفية التي غالباً ما تطبع تناول هذا الموضوع، سواء تلك التي تميل إلى “تمجيد الذات” المفرط، أو تلك التي تنزلق نحو “تبخيسها”. عوضاً عن ذلك، تسلح بياض بالعدة المنهجية الصارمة للمؤرخ، مقدماً تشريحاً علمياً للشخصية المغربية. وقد استخدم بياض استعارة بليغة لوصف هذه الشخصية، حيث شبهها بـ “الصخرة الرسوبية” التي تشكلت عبر تراكم طبقات تاريخية طويلة الأمد. وشرح كيف أن هذه الهوية هي نتاج انصهار: – العمق الأمازيغي الأصيل؛ – الروافد الفينيقية والرومانية؛ – البعد الإسلامي والأندلسي؛ – الامتداد الصحراوي؛ – وصولاً إلى التأثيرات الحديثة. وأوضح بياض أن كل طبقة تاريخية تضيف أثراً وتمحو آخر، لتنصهر جزئياً فيما قبلها دون أن تلغي الأسس العميقة والثابتة، مما يجعل الشخصية المغربية متعددة الأوجه، وربما تبدو متناقضة ظاهرياً، لكنها في العمق “متماسكة ومرنة”.

لم يتوقف النقاش عند حدود السرد التاريخي، بل امتد ليستشرف المستقبل. حيث خلصت الأمسية إلى أن فهم تركيبتتا النفسية والتاريخية هو المدخل الرئيس لبناء “مغرب جديد”. وقد أجمع المتدخلون على أن التصالح مع تناقضات الشخصية المغربية، واستثمار غناها التاريخي ومرونتها، يعد شرطاً أساسياً لتحقيق تنمية دامجة ومستدامة. فالشخصية المغربية، بمسارها الطويل، لا يمكن أن تكون إلا ذاتها: غنية بماضيها ومنفتحة بثقة على مستقبلها.