✅ حتى لا يصطدم الاستثمار العقاري مع مطلب العدالة الاجتماعية | طنجة24

منذ 20 ساعة

✅ حتى لا يصطدم الاستثمار العقاري مع مطلب العدالة الاجتماعية | طنجة24

في طنجة، لم يعد السكن مجرد جدران تؤوي، ولا رقما في دفتر القروض، بل تحوّل إلى مرآة تعكس اختلالا أعمق في العلاقة بين المدينة وساكنتها. مدينة تتوسع، تتجدد، وتُقدَّم بوصفها رافعة اقتصادية صاعدة، فيما يشعر جزء واسع من أبنائها بأنهم صاروا غرباء داخل فضائها، يتابعون صعودها من الخارج، أو من هوامشها البعيدة.

هذا الإحساس لا ينبع فقط من ارتفاع الأسعار، بل من فجوة في التلقي. المواطن البسيط والطبقة المتوسطة ينظران إلى السكن من زاوية الحاضر: كم يتطلب من دخل، كم يستهلك من استقرار، وكم يترك من هامش للحياة.

في المقابل، ينظر جزء من الفاعلين العقاريين إلى طنجة بمنظار آخر: مدينة تُعاد هندستها على المدى المتوسط والبعيد، تستعد لأدوار لوجستية، سياحية، وقارية، وما يرافق ذلك من إعادة تسعير للموقع والفرصة.

وبين هذين المنظورين، لا توجد خصومة مبدئية، لكن توجد مسافة صامتة. مسافة تجعل السعر يبدو معقولا في حسابات الاستثمار، ومجحفا في حسابات العيش. تجعل الشقة تُقاس بالعائد المستقبلي عند فئة، وبالقسط الشهري الخانق عند فئة أخرى. هنا، لا يمكن اختزال النقاش في اتهام السوق أو تبرير الربح، لأن المشكلة أعمق من ذلك.

طنجة لم تصل إلى هذا المنعطف اعتباطا. ما عرفته من استثمارات كبرى، وبنيات تحتية، وربط لوجستي، واستحقاقات قارية وعالمية قادمة، جعلها مدينة تُبنى بمنطق الترقب. الترقب لما ستكونه، لا فقط لما هي عليه. غير أن تحويل هذا الترقب إلى قاعدة دائمة لتسويغ ارتفاع الكلفة، دون سياسات موازية تُعيد إدماج الفئات المتوسطة، يخلق شرخا غير مرئي لكنه متراكم.

المنعش العقاري، في هذا السياق، ليس خصما للعدالة الاجتماعية بالضرورة. هو فاعل اقتصادي يشتغل ضمن منظومة شروط: كلفة الأرض، التمويل، التعمير، والطلب. لكنه يصبح جزءا من الإشكال حين تُترك له وحده مهمة تفسير المدينة، وحين تنسحب السياسات العمومية من دورها في ضبط التوازن بين الربحية والإنصاف. السوق، حين يُترك دون بوصلة، لا ينتج عدالة تلقائية، بل ينتج منطق الأقوى تمويلا والأسرع قدرة على الانتظار.

الإشكال الحقيقي ليس في وجود استثمار عقاري قوي، بل في غياب تصور واضح لدور هذا الاستثمار داخل مشروع المدينة. هل نريد طنجة مدينة قابلة للعيش أم مدينة قابلة للتسويق فقط؟ هل يُقاس نجاحها بعدد الرافعات والمشاريع، أم بقدرتها على الاحتفاظ بطبقتها المتوسطة داخل نسيجها الحضري؟ هذه الأسئلة لا يجيب عنها السوق، بل تجيب عنها السياسة الحضرية.

العدالة الاجتماعية في السكن لا تعني تسقيفا قسريا للأسعار، ولا تحميل المنعشين ما لا يحتملونه. تعني، قبل كل شيء، وضوح الرؤية. تعني تخطيطا يسمح بإنتاج عرض متنوع، وتمويلا لا يقصي أنماط العمل الجديدة، وأراضي تُدار بمنطق المصلحة الحضرية لا الريع الصامت. تعني أن تُقرأ طنجة باعتبارها مدينة لكل من يعيش فيها، لا فقط لمن يستطيع الاستثمار في مستقبلها.

طنجة اليوم عند مفترق طرق. إما أن تستمر كمدينة تُراكم الوعود وتؤجل العدالة، أو أن تُحوّل هذا الزخم الاستثماري إلى فرصة لإعادة بناء التوازن. الاستثمار ليس نقيضا للعدالة الاجتماعية، لكنه يصبح كذلك حين يُفصل عن الإنسان. والمدينة التي تنجح حقا، ليست تلك التي ترتفع فيها الأسعار، بل تلك التي يبقى فيها الأمل في السكن ممكنا، ومعقولا، ومشتركا.

...

الخبر كامل

اكتشف كل المزايا على التطبيق

✅ سريع

✅ سهل الاستخدام

✅ مجاني

إبدا الان
اقتراحات قد تعجبك من طنجة 24 ⬇️
news-stack-on-news-image

لماذا التصفح على التطبيق احسن

أخبار المغرب من أهم المواقع الالكترونية والجرائد الالكترونية المغربية ذات مصداقية وبكل حياد. جولة في الصحافة ومقالات وتحليلات أخبار سياسية واقتصادية ورياضية وثقافية وحقوقية، تغطيات خاصة، و آخر أحداث عالم الطب والتكنولوجيا. أخبار المغرب العاجلة نظام ذكي يختار لك أفضل الأخبار من أفضل المواقع والجرائد الالكترونية ويرسل تنبيهات فورية للأخبار العاجلة